Se rendre au contenu

...في يوم و ليلة

و خلال يوم وليلة تكلمت. تكلمت كثيرا، جدا، بشكل مبالغ فيه. لم أتوقف عن الكلام. و كأنه كان لزاما علي ألا أترك مجالا للصمت، لصمت يفسح المجال لكلام من نوع آخر، كلام بلغة الأعين و الأنفاس، و كأنه كان لزاما علي ألا أترك المجال لصمت يذيب المسافات أو ما تبقى منها. فالحفاظ على مسافة الامان و احترام سرعة المرور يقيان من الحوادث كما هو الشأن للحديث مع السائق لإبقائه يقظا و لا يغط في احلام وردية تفقده وعيه! بعض الحوادث طفيفة و بعضها مميت، ولا يمكنني التنبؤ بدرجة خطورة الحوادث، فكان علي أن أتفاداها، خاصة أن صحتي متدهورة و كل ارتطام قد يؤدي بي الى الشلل التام.

تكلمت كثيرا، أثبتت للعالم و العالم أنني أنا، و أعوذ بالله من قولة أنا، مجرد فتاة لا تكف عن الكلام و الأحلام، فتاة لا تنصت لا تنفك تقاطع محاورها قبل أن تنبس شفتاه بأي كلام، أنني فتاة غير جديرة بالاهتمام، أنني أصلح فقط لأراقب من بعيد فقربي فيه صداع للرأس و آلام. أتبثت أنني لا شيء في سماء من الأوهام. الأوهام سحب قد تستحيل احيانا طلا أو مطرا لطيفا أو عاصفة مرعدة مبرقة تنزل طوفانا قبل أن تنقشع، و أحيانا أخرى تنقشع دون غيث يذكر. و ما أحوجنا الى غيث يحيي الأرض و القلوب بعد موتها.

في يوم و ليلة تكلمت كثيرا، أجل، لكني أيضا سمعت و أنصتت لكل شيء، كل ما قيل و مالم يقل. سمعت كل نظرة، كل إيماءة، كل ساكنة، كل نفس. سمعت كل شيء و استمعت، ثم خزنته في درج صنعته، خلال الايام الثلاثة الموالية، صنعته بحب و حيرة و غضب و خوف لأخفيه بعد ذلك بعيدا عن الاذان و عن ناظر عيناي. في يوم وليلة، لا، لم أغن حينها أغنية وردة الجزائرية، ولو أنه، ربما، لولا ثرثرتي التافهة و كلامي الغبي طوال الوقت لكنت غنيتها ملء أنفاسي أو على الاقل دندنتها تحت المطر اللطيف عوض الاستفراغ المخزي و الغثيان الذي أبى إلا أن يلازمني ربما كتذكير لي أنني، في بعض اللحظات، كنت أستفرغ الكلمات استفراغا على آذان مستمع بريء ظلمته كما ظلمه الحظ و الحياة.



Partager cet article
Archive
ثلاث اعلانات من مستقبل بعيد -Three futuristic announcements  - Trois annonces, d'un futur lointain